سورة الصافات - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


قوله تعالى: {ولقد مَنَنّا على موسى وهارون} أي: أنعمنا عليهما بالنبوّة.
وفي {الكَرْبِ العظيم} قولان:
أحدهما: استعباد فرعون وبلاؤه، وهو معنى قول قتادة.
والثاني: الغرق، قاله السدي.
قوله تعالى: {ونَصَرْناهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه يرجع إلى موسى وهارون وقومهما.
والثاني: أنه يرجع إليهما فقط، فجُمعا، لأن العرب تذهب بالرئيس إلى الجمع، لجنوده وأتباعه، ذكرهما ابن جرير. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الأنبياء: 48] إلى قوله: {وإنَّ إلياس لَمِن المُرْسَلِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه إِدريس، قاله ابن مسعود، وقتادة، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود، وأبوالعالية، وأبو عثمان النهدي: {وإِن إِدريس} مكان {إِلياس}.
قوله تعالى: {إذ قال لقومه ألا تَتَّقونَ} أي: ألا تخافون الله فتوحِّدونه وتعبدونه؟! {أتَدْعونَ بَعْلاً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه بمعنى الرَّبّ، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبوعبيدة، وابن قتيبة. وقال الضحاك: كان ابن عباس قد أعياه هذا الحرف، فبينا هو جالس، إذ مَرَّ أعرابيّ قد ضَلَّت ناقتُه وهو يقول: من وجد ناقة أنا بعلُها؟ فتبعه الصّبيان يصيحون به: يازوج النّاقة، يازوج النّاقة، فدعاه ابن عباس فقال: ويحك، ما عنيتَ ببعلها؟ قال: أنا ربُّها. فقال ابن عباس: صدق الله {أَتَدْعون بَعْلاً}: ربّاً. وقال قتادة: هذه لغة يمانية.
والثاني: أنه اسم صنم كان لهم، قاله الضحاك، وابن زيد. وحكى ابن جرير: أنه به سُمِّيت بعلبكّ.
والثالث: أنها امرأه كانوا يعبدونها، حكاه محمد بن إِسحاق.
قوله تعالى: {اللهَ ربَّكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {اللهُ ربُّكم} بالرفع. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، ويعقوب: {الله} بالنصب.
قوله تعالى: {فكذَّبوه فإنَّهم لمُحضَرونَ} النارَ، {إلاّ عبادَ الله المُخْلَصِينَ} الذين لم يكذِّبوه، فإنهم لا يُحْضَرونَ النّار.
الإشارة إلى القصة:
ذكر أهل العلم بالتفسير والسِّيَر أنه لما كَثُرت الأحداث بعد قبض حزقيل النبيّ عليه السلام، وعُبِدت الأوثانُ، بَعَثَ اللهُ تعالى إِليهم إِلياس. قال ابن إِسحاق: وهو إلياس بن تشبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، فجعل يدعوهم فلا يسمعون منه، فدعا عليهم بحبس المطر، فجُهدوا جَهداً شديداً، واستخفى إِلياس خوفاً منهم على نفسه، ثم إنه قال لهم يوماً: إِنكم قد هَلَكْتُم جَهْداً، وهَلَكَت البهائمُ والشجر بخطاياكم، فاخرُجوا بأصنامكم وادْعُوها، فإن استجابت لكم، فالأمر كما تقولون، وإن لم تفعل، عَلِمتم أنكم على باطل فنَزَعْتُم عنه، ودعوتُ الله ففرَّج عنكم، فقالوا: أنصفتَ، فخرجوا بأصنامهم وأوثانهم، فدعَوْا فلم يُستجب لهم، فعرفوا ضلالهم، فقالوا: ادْعُ اللهَ لنا. فدعا لهم، فأرسل المطر وعاشت بلادهم، فلم يَنْزِعوا عمّا كانوا عليه، فدعا إلياس ربَّه أن يَقْبِضه إِليه ويًريحَه منهم، فقيل له: اخْرُج يومَ كذا إِلى مكان كذا، فما جاءك من شيء فاركبْه ولا تَهَبْهُ، فخرج، فأقبل فَرَسٌ من نار، فوثب عليه، فانطلق به، وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذَّة المَطْعم والمَشْرَب، فطار في الملائكة، فكان إنسيّاً مَلَكيّاً، أرضيّاً سماويّاً.
قوله تعالى: {سلامٌ على إِلياسينَ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {إِلياسينَ} موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام، فجعلوها كلمة واحدة؛ وقرأ الحسن مثلهم، إلاّ أنه فتح الهمزة. وقرأ نافع، وابن عامر، وعبد الوارث، ويعقوب إلاّ زيداً: {إِلْ ياسينَ} مقطوعة، فجعلوها كلمتين.
وفي قراءة الوصل قولان:
أحدهما: أنه جَمْعٌ لهذا النبيّ وأمَّته المؤمنين به، وكذلك يُجمع ما يُنْسَب إِلى الشيء بلفظ الشيء، فتقول: رأيت المهالبة، تريد: بني المهلَّب، والمسامعة، تريد بني مسمع.
والثاني: أنه اسم النبيّ وحده، وهو اسم عبرانيٌّ، والعجمي من الأسماء قد يُفْعَل به هكذا، كما تقول: ميكال وميكائيل، ذكر القولين الفراء والزجاج.
فأمّا قراءة من قرأ {إِلْ ياسينَ} مفصولة، ففيها قولان:
أحدهما: أنهم آل هذا النبي المذكور، وهو يدخل فيهم، كقوله عليه السلام «اللهم صَلِّ على آل أَبي أَوفى» فهو داخل فيهم، لأنه هو المراد بالدعاء.
والثاني: أنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي. وكان عبد الله بن مسعود يقرأ: {سلامٌ على إِدْراسينَ} وقد بيَّنّا مذهبه في أن إلياس هو إدريس.
فإن قيل: كيف قال: {إدراسين}، وإنما الواحد إدريس، والمجموع إِدريسيُّ لا إِدراسٌ ولا إِدراسيّ؟
فالجواب: أنه يجوز أن يكون لغة، كإبراهيم وإبراهام، ومثله:
قَدْنِيَ مِنْ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي ***
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو نهيك: {سلام على ياسين} بحذف الهمزة واللام.


قوله تعالى: {إذ نجيَّناه} {إذ} هاهنا لا يتعلق بما قبله، لأنه لم يُرْسَل إِذ نُجِّيَ، ولكنه يتعلق بمحذوف، تقديره: واذكرُ يامحمد إِذ نجَّيناه، وقد تقدم تفسير ما بعد هذا [الشعراء: 171] إِلى قوله: {وإِنكم لَتَمُرّونَ عليهم مُصْبِحِينَ} هذا خطاب لأهل مكة، كانوا إِذا ذهبوا إِلى الشام وجاؤوا، مَرُّوا على قرى قوم لوط صباحاً ومساءً، {أفلا تعقلون} فتعتبرون.


قوله تعالى: {إِذ أَبَقَ} قال المبرّد: تأويل {أبَقَ} تباعد؛ وقال أبو عبيدة: فَزِعَ؛ وقال الزجّاج: هرب؛ وقال بعض أهل المعاني: خرج ولم يؤذَن له، فكان بذلك كالهارب من مولاه. قال الزجاج: والفُلْك: السفينة، والمشحون المملوء، وساهم بمعنى قارع، {من المُدْحَضِينَ} أي: المغلوبِين؛ قال ابن قتيبة: يقال: أَدْحَضَ اللهُ حُجَّتَهُ، فَدَحَضَتْ، أي: أزالها فزالت، وأصل الدَّحْض: الزَّلَق.
الإِشارة إِلى قصته:
قد شرحنا بعض قصته في آخر يونس وفي [الأنبياء: 86] على قدر ما تحتمله الآيات، ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله. قال عبد الله بن مسعود: لمّا وعد يونس قومَه بالعذاب بعد ثلاث، جَأرَوا إِلى الله عز وجل واستغفروا، فكفّ عنهم العذاب، فانطلق مغاضباً حتى انتهى إلى قوم في سفينة فعرفوه فحملوه، فلمّا رَكِبَ السفينةَ وقَفَتْ، فقال: ما لسفينتكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكنِّي أدري، فيها عبد آبق من ربِّه، وإِنها والله لا تسير حتى تُلْقُوه، فقالوا: أمّا أنت يا نبيَّ الله فوالله لا نُلْقِيك، قال: فاقترِعوا، فمن قرع فَلْيَقَع، فاقترَعوا، فقرع يونس، فأبَوا أن يَُمكِّنوه من الوُقوع، فعادوا إلى القُرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات. وقال طاووس: إن صاحب السفينة هو الذي قال: إنَّما يمنعُها أن تسير أنّ فيكم رجلاً مشؤوما، فاقترِعوا لنَلقيَ أحدنا، فاقترعوا، فقرع يونس ثلاث مرات.
قال المفسرون: وكَّل اللهُ به حوتاً، فلمّا ألقى نفسه في الماء التقمه، وأمر أن لا يضُرَّه ولا يَكْلِمَه، وسارت السفينة حينئذ. ومعنى التقمه: ابتعله.
{وهو مُلِيمٌ} قال ابن قتيبة: أي: مُذْنِبٌ، يقال: ألامَ الرجلُ: إِذا أتى ذَنْباًَ يُلامُ عليه، قال الشاعر:
تَعُدُّ مَعَاذِراً لا عُذْرَ فيها *** ومَنْ يَخْذُلْ أَخَاهُ فَقَدْ ألاَمَا
قوله تعالى: {فلولا أنّه كان مِنَ المُسَبِّحِينَ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مِنَ المُصَليِّن، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني: من العابدِين، قاله مجاهد، ووهب بن منبه.
والثالث: قول {لا إِله إِلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ} [الأنبياء: 87]، قاله الحسن. وروى عمران القطّان عن الحسن قال: والله ما كانت إلاّ صلاة أَحدثَها في بطن الحوت؛ فعلى هذا القول، يكون تسبيحُه في بطن الحوت. وجمهور العلماء على أنه أراد: لولا ما تقدَّم له قبل التقام الحوت إيّاه من التسبيح، {لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} قال قتادة: لصار بطن الحوت له قبراً إِلى يوم القيامة، ولكنه كان كثير الصلاة في الرّخاء، فنجاه الله تعالى بذلك.
وفي قَدْر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال:
أحدها: أربعون يوماً، قاله أنس بن مالك، وكعب، وأبو مالك، وابن جريج، والسدي.
والثاني: سبعة أيام، قاله سعيد بن جبير، وعطاء.
والثالث: ثلاثة أيام، قاله مجاهد، وقتادة.
والرابع: عشرون يوماً، قاله الضحاك.
والخامس: بعض يوم، التقمة ضُحىً، ونبذه قبل غروب الشمس، قاله الشعبي.
قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ} قال ابن قتيبة: أي: ألْقَيْناه {بالعراء} وهي الأرضُ التي لا يُتَوارَى فيها بشجر ولا غيره، وكأنَّه مِنْ عَرِيَ الشَّيءُ.
قوله تعالى: {وَهُوَ سَقيمٌ} أي: مريض؛ قال ابن مسعود: كهيأة الفرخ الممعوط الذي ليس له ريش. وقال سعيد بن جبير: أوحى الله تعالى إلى الحوت أن ألْقهِ في البَرّ، فألقاه لا شَعْر عليه ولا جِلْد ولا ظُفر.
قوله تعالى: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} قال ابن عباس: هو القرع، وقد قال أميَّة بن أبي الصلت قبل الإِسلام:
فأنْبَتَ يَقْطِيناً عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ *** مِنَ اللهِ لَوْلا اللهُ أُلْفِيَ ضَاحِيا
قال الزجاج: كل شجرة لا تنبت على ساق وإنما تمتدُّ على وجه الأرض نحو القرع والبطيخ والحنظل، فهي يقطين، واشتقاقه من: قَطَنَ بالمكان: إذا أقام، فهذا الشجر ورقه كلُّه على وجه الأرض، فلذلك قيل له: يقطين. قال ابن مسعود: كان يستظلُّ بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها، فأوحى الله إليه: أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تُهلكهم؟! قال يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط: قيَّض الله له أروية من الوحش تروح عليه بُكرة وعشيّاً فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه.
فإن قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها؟
فالجواب: أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا، وجلده قد ذاب، فأدنى شيء يَمرُّ به يؤذيه، وفي ورق اليقطين خاصِيَّةٌ، وهو أنه إِذا تُرك على شيء، لم يَقربه ذباب، فأنبته الله عليه ليغطيَه ورقُها ويمنع الذبابَ ريحه أن يسقط عليه فيؤذيَه.
قوله تعالى: {وأرسلْناه إِلى مائةِ ألفٍ} اختلفوا، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إيّاه، أم بعد ذلك؟ على قولين:
أحدهما: أنها كانت بعد نبذ الحوت إيّاه، على ما ذكرنا في [يونس: 98]، وهو مروي عن ابن عباس.
والثاني: أنها كانت قبل التقام الحوت له، وهو قول الأكثرين، منهم الحسن، ومجاهد، وهو الأصح. والمعنى: وكنَّا أرسلناه إِلى مائة ألف، فلمّا خرج من بطن الحوت، أُمِر أن يرجع إِلى قومه الذين أُرسِل إِليهم.
وفي قوله: {أو} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بمعنى بل قاله ابن عباس، والفراء.
والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة. وقد قرأ أبيّ بن كعب، ومعاذ القارئ، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني: {ويزيدون} من غير ألف.
والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم، إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.
وفي زيادتهم أربعة أقوال:
أحدها: أنهم كانوا مائة ألف يزيدون عشرين ألفاً، رواه أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنهم كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا.
والثالث: مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفاً، رويا عن ابن عباس.
والرابع: أنهم كانوا يزيدون سبعين ألفا، قاله سعيد بن جبير ونوف.
قوله تعالى: {فآمَنوا} في وقت إِيمانهم قولان:
أحدهما: عند معاينة العذاب.
والثاني: حين أُرسل إليهم يونس {فمتَّعْناهم إِلى حين} إِلى منتهى آجالهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5